الخميس، 4 سبتمبر 2008

ترانيم القدر


"عينان ناعستان.. اهداب ساحرة ما ان تفتح ابوابها حتى يطل النور على الدنيا..تمسك بكتابها الصغير وتقرأ بشغف ممتد لا يتوقف الا عند اخر صفحات الكتاب.. دوما شاردة الذهن حائرة وكأنما تبحث عن شئ مجهول.. يطوقها حزن عميق تتذوقه فى نبرة صوتها الرقيقة الواهنة التى تكسبها جاذبية غامضة تجعلك تتبع رنة صوتها اينما وجدت .. صبية ,طفلة , انثى بكل ما للكلمة من معنى , لونها الخمرى , ملامحها الحادة ..عيناها الواسعتان وحاجباها الغليظان المرسومان بريشة فنان , انفها الذى يحيى السماء يعطيها شموخا رائعا.. وعندما تفتح فمها الصغير الممتلئ وتظهر اسنانها ناصعة البياض ,و كان شمسا اشرقت بعد انقشاع غيمة عابرة ".. كلمات كان يرددها عنها اينما وجد..
كانت دوما تقف امام شرفتها وتسدل شعرها الطويل المموج بنى اللون ليحركه الهواء فى كل اتجاه..تقف لتنتظره كل يوم فى ساعة محددة يعبر فيها دوما من تحت شرفتها ليرمقا بعضعهما بنظرات طويلة.. وذابا معا فى قصة امتزجت فيها روحيهما امتزاج رهيب..
كان لهما فى ايامهما معا أن يتمتعا بكل جميل , بكل لحظة صدق .. بكل نشوة عشق .. لكن لم يكن لهما ابدا ان يعترضا على حكم الاقدار.. فقد فرقهما القدر فى لحظة .. فجأة .. كما جمعهما ايضا فى لحظة .. فجأة.. هذا هو القدر...
تركته بعد حب جارف لم يعهده قلبها الطفل من قبل..تركته بدون كلمة واحدة , فقط دمعة تترقرق معذبة تأبى ان تنزلق من عينيها..ادارت وجهها ولم يزل وجهه يقبع على بصرها حتى انها لم تر الطريق امامها .. فقط ظلت تمشى بلا وجهة فى طريق طويل لا تعرف له منتهى..
وبعد انقضاء صرخة الصدمة الاولى بدأ وجهه يتلاشى شيئا فشيئا عن بصرها , وبدأت ترى الدنيا كأنها تراها لاول مرة ..أناس مكفهرة الوجوه..طرق مليئة بالعوائق والقذارات .. لون السماء اصبح رماديا باهتا يبعث فى النفس الكآبة واليأس.. حتى وجهها الجميل فى المرآة لم يعد كما كان , اختفت وروده وانكسرت عيناها الواسعتان فلم تعد ترى شيئا اعلى من مستوى قدميها.. وظلت قابعة فى غرفتها تقلب فى ذكرياتها التى لم يجاوز عمرها العام الواحد ..كل هذا ولم تذرف دمعة واحدة..تتحايل على دموعها ولكنها ترفض ان تخرج من مقلتيها..
حاول كل من حولها ان يخرجها من حالتها المزرية ..حاولوا ان يجعلوها تندمج فى الحياة وصخبها من جديد بشتى الطرق , فكانت تتظاهر بانها على خير ما يرام ولكن ما لم تستطع اخفاؤه هو تلك النظرة الواهنة فى عينيها وتلك الدمعة العالقة بين جفنيها..حتى جاء يوما كانت تتمشى على الشاطئ كعادتها عند الشروق , فوجدت
علامات أقدام محفورة على الرمال المبتلة , فراحت تتبع هذه العلامات عبثا ..تتبعتها خطوة تلو الاخرى حتى انتهت الآثار من امامها فرفعت بصرها عن الارض , وفجأة تصلبت فى مكانها من هول ما راته ..اتسعت حدقتيها وتورد لونها وراح قلبها يدق بايقاع غريب ..جرت نحوه بسرعة لا ارادية ثم توقفت امامه مباشرة..لم يصدق نفسه هو الاخر فوجد نفسه يضمها اليه فى لهفة خاطفة وارتمت فى احضانه كأنها طفلة ضائعة وجدت اخيرا من ينقذها ...وقالت له : سامحنى ..سامحنى..".شعر بصدق مشاعرها فاعتصرها بين ذراعيه وضمها اليه اكثر , فأجهشت بالبكاء وظلت تبكى وتبكى حتى انهمرت جميع الدمعات الحبيسة فى عينيها من يوم هجرها له..تركت احضانه وامسكت بيديه وقالت له بنظرة أمل : هذا ما كنت أحتاجه ..أن ترد لى ذلك الجزء الذى اقتطعته من روحى وظل يعذبك ببقاؤه معك..وظل مكانه الخالى فى وجدانى يحتفظ بالدموع ويحبسها داخله.."
الآن فقط تستطيع أن تمضى قدما فى حياتها ..الآن فقط يستطيع أن يلقى بأغلال الحيرة بعيدا عن حياته ..الآن
فقط اكتملت قصتهما...ودعها وودعته بابتسامة عريضة , ثم التف كل منهما لوجهته التى اصبح يعرفها تماما , وعاد كل منهما من حيث اتى...

هناك تعليقان (2):

دار العين يقول...

على مدونة دار العين للنشر
_ جمال الغيطاني في العين
_ حديث علاء الأسواني عن مشكلة انفصال المثقف عن الواقع
_ حدوتة من كتاب " المرأة والحدوتة "
http://ainpublish.blogspot.com/

نسر الشرق يقول...

الحقيقه جميل جدا انك تعبر عن موهبتك
والاجمل لما تلاقى الاستحسان من الاخرين
وانا لقيت الاتنين
ادعوك لزيارة مدونتى المتواضعه
http://nisr-elsharq.blogspot.com/